مـحيط المـحـيط
التأليـــــــــف
المُعَلِّم بُطْرُس البُسْتاني
1819 - 1883
بقلم الدكتور ألبير مُطْلَق
أستاذ اللغة العربيّة في الجامعة اللّبنانيّة
وُلِدَ المُعَلِّم بُطْرُس البُسْتَاني سنةَ 1819 في قَرْية الدِبِّيّة في لُبنان. وتَلقّى عُلومَه في مدرسةِ عين وَرَقة، كُبْرى مدارسِ ذلك العَهْد. وهناك تَعَلَّم العربيَّة والسّريانيّة واللاتينيّة والإيطاليّة والفلسفة واللاّهوت والشَّرع الكنسيّ، ودرس الإنكليزيّة على نفْسه.
في عام 1840 وَفَدَ إلى بيروت واتَّصل ببعض المُرْسَلين الأميركيّين يعلِّمُهم العربيَّةَ ويعرِّبُ لهم الكتبَ. ومنذ ذلك الوقت نشأتْ بينه وبين كُرْنيلْيوس فانْدايْك، أحدِ مؤسِّسي "الكلّيّة السوريّة الإنجيليّة" في بيروت (الجامعة الأمريكيّة)، صداقةٌ امتدَّتْ طَوالَ العُمْر، وكان لها أثرٌ على الرَّجُلين العظيمين.بعد عام 1848 وسَّع البُسْتاني مَعارفَه بدراسة اللّغَتينِ اليونانيَّةِ والعبرانّيةِ. واشتركَ مع عالي سْميث في ترجمة الكتاب المقدَّس إلى العربيّة، وهي الترجمة التي أتَّمها فيما بعدُ كُرْنسلْيوس فانْدايْك، وعُرِفَتْ بالأميركانيّة. بعد 1860 وجَّهَ عِنايةً فائقةً إلى تَوْعِيَة الشَّعْب في بلاده، فأنشأ جريدةَ "نفير سورية"، وهي أوَّلُ جريد وطنيَّة راقية، داعيًا إلى الأُلفة ونَبْذ الأحْقَاد. ثمّ رأى أنّ القلوب لا تتَّفِقُ إلاّ إذا اعتادَت الاتِحادَ والوئامِ صغيرةً، فأَسَّس سنةَ 1863 "المدرسة الوطنيّة" الشهيرة، وكانت أوَّلَ مدرسةٍ وطنيّةٍ عاليةٍ، فأَمَّها الطُلاّبُ من مُخْتَلفِ الطوائِفِ ومُخْتلفِ المنَاطِق ومِنَ البُلْدانِ المُجاوِرَةِ ليَتعلَّمُوا فيها، في جُمْلَةِ ما يتعلَّمون، العربيّة والإنكليزيّةَ والفرنسيّة ومَحبَّة الإنسان والتَّعَلُّقَِ بالأَوْطانِ. بالإضافة إلى ذلك أنشأَ سنةَ 1870 مجَلَّةً سياسيَّةً علميَّةً أدبيَّةً تاريخيَّةً أسماها "الجِنان"، كما أنشأَ في العامِ نفسه صحيفةً سياسيَّة تجاريَّةً أدبيَّةً أسبوعيَّةً، أسماها "الجَنَّة". وكذلك أنشأَ، سنةَ 1871، بِمُساعدةِ ابْنِه سَليم، صَحيفَةً سياسيَّةً تجاريَّةً يوميَّةً أسماها "الجُنَيْنَة".
أمّا في مَيْدان التَّأْليف فقد ترك المُعَلَّم بُطْرُس البُسْتاني آثارًا كان لها أبْلَغُ الأَثَر في ثقافةِ عَصْره. فبالإضافة إلى إسهامه في ترجمة التَّوْراة ترك كُتُبًا عديدةً في الحِساب والصَّرْف والنَّحو واللُّغة والأدب، كما ترك عددًا من الخُطَب والمُحاضرات والمقالات التي كان يُلْقيها في الجَمْعِيَّات ويُدَبِّجها في الجَرائد والمَجلات. إلاّ أنّ أهمّ مؤلَّفاته اثْنانِ:
الأَوَّل: "دائرة المَعارِف" التي عَرَّفها بقوله إنّها "قاموسٌ عامّ لِكُلِّ فَنٍّ ومَطْلَبٍ"، وقد صدَر منها في حياته سِتَّة أجزاءٍ، وصدَر منها بعد وفَاته خمسهُ أجزاءٍ اشْتغلَ فيها أبناؤه، وبِخاصّةٍ سَليم، ونَسيبُه سُلَيْمان. وتوقَّفَ العمل قَبْلَ أن يكْتَمِلَ المَشْروع. وتُعْتَبر هذهِ المَوْسُوعةُ أوَّلَ مَوْسُوعَةٍ وَطَنيَّةٍ قائمةٍ على المنهج الحديث في التَّأْليف.
الثّاني: مُعجَم "مُحيط المُحيط"، وهو أوَّل قاموسٍ عَصْرِيٍّ في اللُّغَة العربيّة، طَبَعَهُ في مُجَلَّدين كبيرين في بيروت سنة 1870، ورَفَعَه إلى السُّلطانِ العُثْمانيّ، فنال عليه "الوِسام المَجيديَّ الثَّالِث". ولا يزال هذا المُعجمُ أَحَدَ أَهَمِّ المَعاجِمِ العربيّةِ الحَديثةِ، يَحْتاجُ إليهِ كلُّ عالمٍ وطالبٍ، رَغْمَ مُرُور أَكْثر من مئة عامٍ على تأليفه. ذلك أنّه رَتَّبهُ على حُروف المُعجم باعتبار الحرف الأَوَّلِ منَ الثُّلاثيِّ المُجَرَّد؛ وجَمَع فيه كثيرًا من مُصْطَلَحات العُلوم والفُنون، سواءٌ منها القاموسِيَّةُ أمِ المُعَرَّبَةُ؛ وشرَح أُصولَ بعض الألفاظ الأجنبيّة؛ وجمَع كثيرًا منَ الألفاظ العاميَّة الحيّة وفَسَّرها؛ واعتمد المَعاجمَ القديمة المَوْثوقة؛ واستَخدم العِبارة البسيطة.
وقد قامت "مكتبة لبنان" بإعادة طَبْع المُعْجم بِمُجلَّدّيْهِ، ثمّ جدَّدتْ طَبْعَه سنة 1977، وفي مُجلَّدٍ واحدٍ، وصَحَّحتِ الأخطاء الطِّباعيَّة، ومَيَّزَتِ المَداخِلَ الجذْرِيَّةَ والرَّئيسيَّةَ بِلَوْنٍ مُخْتَلِفٍ، ممّا يُساعِدُ على سُهولة اسْتِعمالِ المُعجَم. يُمْكِنُ القولُ أخيرًا إنَّ المُعَلِّم بُطْرُس البُسْتاني، الذي توفيَّ سنةَ 1883، كان أوّلَ مَنْ أَسَّس مدرسةً وطنيَّةً عالِيَةً، وأَوَّلَ مَنْ ألَّفَ قاموسًا عربيًّا عَصْرِيًّا مُطَوَّلاًّ، وأَوَّلَ مَنْ أنشَأَ مَجَلَّةً راقِيَةً، وأَوَّلَ مَنِ ابْتدأ بمَشْرُوعِ دائرةِ مَعَارِف باللُّغَةِ العربيّة، فكان بِحَقٍّ واحدًا من أكْبر زُعماءِ النَّهْضةِ الحَديثةِ.
مُقَدِّمة الناشر
اعتمد المعلمُ بُطرس على قاموس الفيروزأبادي. مُضِيفًا إليه ثروةً من المُفردات والتعابير المُعاصرة والمُولّدة التي أهملها جامعو المعاجم العربيّـة، فأخرجهَ بمنْهَجِيَّةٍ عِلميَّةٍ حديثة وبتبَويبٍ سليم يتلاءَمُ مع طبيعَة اللغة العربية واشتقاقاتها الواسعة.
وَقـد حَظِيَ مُحيط المحيط مُنذ ظُهوره باهتمام اللغويين والدارسين والكُتَّاب والطلَّبَة والمثَقَّفين عامَّةً، فأقبلوا على اقتنائه. بالإضافة إلى أن بعض كُليِات آداب اللغة العربية كانت وما زالت تعتبر محيط المحيط واحداً من الكتبِ المقُرَّرة في برنامجها الدراسي.
وحينما أخذت مكتبةُ لبنان على عاتقها الاهتمام بنشر كُتُـب التراث، اتجهت أنظار أولي الأمر فيها أوّلَ ما اتجهت إلى معجم محيط المحيط، الذي كان قد نفد من الأسواق منذ مدة طويلة، فأعادت طبعَ كميَّةٍ محدودةٍ منـه. لكنَّ حاجةَ السوق كانت أكثر ممـا توقعناه، إذ ما لبثت نُسَخُ الطبعة المُعادة أن نفدت أيضًا.
وَلمّا عُهد إلى دائرة المعاجم في مكتبة لبنان بالإشراف على إعداد طبعة جديدة من محيط المحيط، ارتأينا أن تكون نُسَخُ الطبعة العتيدة أَفْضَلَ من سابقتَيها وأقلَّ كُلفة في الوقتِ نفسه ليتسَنَّى اقتناءُ هذا التراث لكُل- مُثقَّفٍ عربِيٍّ تلميذًا وَأُستاذًا ومؤلِّفًا وباحثًا. وقرَّ الرأيُ على : أن يَصْدُرَ المعجمُ أولا في حجم أكبر، لِيَتَيَسَّرَ استغِراقُ جُزْأَيْهِ في مُجَلَّدٍ واحدٍ، وثانيًا بلونَين كي يَسْهُلَ على الباحث الوُصولُ إلَى مَطْلبَـهِ بسُرعةٍ ويُسْرٍ.
وقد قام فنِّيُّو دائرة المعاجم وخُـبراؤها بتدوير مادة المُعجم وجَنْدَرَة " رَوْتشَة " أصوله وتصحيح أَخطائه المطبعيّة، ثم اختاروا المداخل الجَذْرِيَّة والرئيسيّة فجرَى إبرازُها بلونٍ مُغاير.
ولمِ ندَّخِرْ أيَّ جُهْدٍ في سبيل إخراجِ - هـذا العملِ العظيم بالمستوَى الرفيع والسِّعر الخفيض كما تَوَخَّيْنا.
وإنه ليَطيبُ لنا أن نُقَدِّمَ باعتزازٍ هذا التُّرَاثَ اللُّغَوِيَّ القيِّمَ إلى طُلاَّبِ العربيَّةِ ومُثَقَّفِيها في كُلِّ صُقْعٍ، بل في كُلِّ بيت. واللهُ الموَفِّقُ.
دائرة المعاجم- مكتبة لبنان
فاتِحَةُ الكتاب
بقلم مؤلفه المعلم بطرس البستاني
الحمدُ لله الذي أنطق العربَ بأفصَح الكلمات وجَعل العربية شامَةً في وَجْنَةِ اللغات.
أمّا بعدُ فهذا المؤلَّفُ يَحتوي على ما في مُحيط الفَيروزأباديّ، الذي هو أشهرُ قاموسٍ للعرَبيَّةِ، من مُفرداتِ اللغة وعـلى زيادات كثيرة. فقَد أضَفْتُ إلى أصول الأركان فيه فُروعا كَثيرةً وتفاصيل شتى وَألحقتُ بذلك اصطلاحاتِ العلوم والفنون وكثيراً من المسائل والقواعد والشوارد وغير ذلك مما لا يتعلق بمتن اللغة. وذكرت كثيراً من كلام المُولَّدين وألفاظ العامة منبِّهًا في أماكنها على أنهـا خارجةٌ عن أصل اللغة، وذلك لكِي يكونَ هذا الكِتابُ كامِلاً شامِلاً يجدُ فيه كُلُّ طالبٍ مَطلوبَهُ من هذا القبيل.
وعلى هذا الأسلوب كان هذا الكتابُ قيدَ الأوابدِ ومَحَطَّ الشوارد، فاستحق أن يُسمَّى مُحيط المحيط لأنه قد جمع ما ذهب في كُتُب اللغَة شماطيط. وقد اخترتُ في ترتيبه اعتبارَ أوَّل حرف من الكلمة دُونَ الأخير منها بخلاف اصطلاح الجمهور، لأن ذلك أيْسَرُ في التفتيش عليها. ولأجل التسهيل على الطالب ميَّزْتُ بينَ الأفعال والأسماء وبين المُجَرَّد والمَزِيد من الفريقَين- كُل نوع على حِدتَه مُنْدَرِجًا مع نظيره من الأبنيِة.
فأملنا أن مشروعَنا هذا سيَحُوزُ القبول لَدى أبناءَ الوطن العربي وغيرهم من مُطالعِي اللغة العربية ودارسيها، ويتَّخذونه كخدمةٍ متُوَاضِعةٍ من مُحِبٍّ للوطن أجلُّ مرَغوباته وَمقاصده أن يرَى أبناء وَطنه يتقدمون في الآداب والمعارف والتَمدُّن تحتَ لُغتهِم الشريفة وأن تكون وسائطُ ذلك ميَسورة لخاصَّتهم وعامَّتهِم على أتم ما يُرام.
وَالمرجو من خُلاَّنِي وَخُلَّص إخواني مُعاملَتي باللُّطفِ وَالإحسان والمعذرة والإغضاء وَأن يؤُازِروني بصالح الدعاء وعلى الله توكلتُ وإليه أنيب.
فائدة : إِذا شئتَ كشفَ لفظةٍ، فإذا كانت مُجَرَّدَةً فاطلبْها في باب أول حرف منها وإذا كانت مزيدة فجرِّدْها أولا من الزوائد ثم اطلبها في باب الحرف الأوّل مما بقي. وإذا كان في الكلمة حرفٌ مقلوبٌ عن آخر فاطلُب تلك الكلمة في مكان الحرف الأصلي المقلوب عنـه. وكل " ذلك يُسَهِّلهُ الاستعمال والممارسة. واعلم أن (ج) مقطوعة من جمع .
التأليـــــــــف
المُعَلِّم بُطْرُس البُسْتاني
1819 - 1883
بقلم الدكتور ألبير مُطْلَق
أستاذ اللغة العربيّة في الجامعة اللّبنانيّة
وُلِدَ المُعَلِّم بُطْرُس البُسْتَاني سنةَ 1819 في قَرْية الدِبِّيّة في لُبنان. وتَلقّى عُلومَه في مدرسةِ عين وَرَقة، كُبْرى مدارسِ ذلك العَهْد. وهناك تَعَلَّم العربيَّة والسّريانيّة واللاتينيّة والإيطاليّة والفلسفة واللاّهوت والشَّرع الكنسيّ، ودرس الإنكليزيّة على نفْسه.
في عام 1840 وَفَدَ إلى بيروت واتَّصل ببعض المُرْسَلين الأميركيّين يعلِّمُهم العربيَّةَ ويعرِّبُ لهم الكتبَ. ومنذ ذلك الوقت نشأتْ بينه وبين كُرْنيلْيوس فانْدايْك، أحدِ مؤسِّسي "الكلّيّة السوريّة الإنجيليّة" في بيروت (الجامعة الأمريكيّة)، صداقةٌ امتدَّتْ طَوالَ العُمْر، وكان لها أثرٌ على الرَّجُلين العظيمين.بعد عام 1848 وسَّع البُسْتاني مَعارفَه بدراسة اللّغَتينِ اليونانيَّةِ والعبرانّيةِ. واشتركَ مع عالي سْميث في ترجمة الكتاب المقدَّس إلى العربيّة، وهي الترجمة التي أتَّمها فيما بعدُ كُرْنسلْيوس فانْدايْك، وعُرِفَتْ بالأميركانيّة. بعد 1860 وجَّهَ عِنايةً فائقةً إلى تَوْعِيَة الشَّعْب في بلاده، فأنشأ جريدةَ "نفير سورية"، وهي أوَّلُ جريد وطنيَّة راقية، داعيًا إلى الأُلفة ونَبْذ الأحْقَاد. ثمّ رأى أنّ القلوب لا تتَّفِقُ إلاّ إذا اعتادَت الاتِحادَ والوئامِ صغيرةً، فأَسَّس سنةَ 1863 "المدرسة الوطنيّة" الشهيرة، وكانت أوَّلَ مدرسةٍ وطنيّةٍ عاليةٍ، فأَمَّها الطُلاّبُ من مُخْتَلفِ الطوائِفِ ومُخْتلفِ المنَاطِق ومِنَ البُلْدانِ المُجاوِرَةِ ليَتعلَّمُوا فيها، في جُمْلَةِ ما يتعلَّمون، العربيّة والإنكليزيّةَ والفرنسيّة ومَحبَّة الإنسان والتَّعَلُّقَِ بالأَوْطانِ. بالإضافة إلى ذلك أنشأَ سنةَ 1870 مجَلَّةً سياسيَّةً علميَّةً أدبيَّةً تاريخيَّةً أسماها "الجِنان"، كما أنشأَ في العامِ نفسه صحيفةً سياسيَّة تجاريَّةً أدبيَّةً أسبوعيَّةً، أسماها "الجَنَّة". وكذلك أنشأَ، سنةَ 1871، بِمُساعدةِ ابْنِه سَليم، صَحيفَةً سياسيَّةً تجاريَّةً يوميَّةً أسماها "الجُنَيْنَة".
أمّا في مَيْدان التَّأْليف فقد ترك المُعَلَّم بُطْرُس البُسْتاني آثارًا كان لها أبْلَغُ الأَثَر في ثقافةِ عَصْره. فبالإضافة إلى إسهامه في ترجمة التَّوْراة ترك كُتُبًا عديدةً في الحِساب والصَّرْف والنَّحو واللُّغة والأدب، كما ترك عددًا من الخُطَب والمُحاضرات والمقالات التي كان يُلْقيها في الجَمْعِيَّات ويُدَبِّجها في الجَرائد والمَجلات. إلاّ أنّ أهمّ مؤلَّفاته اثْنانِ:
الأَوَّل: "دائرة المَعارِف" التي عَرَّفها بقوله إنّها "قاموسٌ عامّ لِكُلِّ فَنٍّ ومَطْلَبٍ"، وقد صدَر منها في حياته سِتَّة أجزاءٍ، وصدَر منها بعد وفَاته خمسهُ أجزاءٍ اشْتغلَ فيها أبناؤه، وبِخاصّةٍ سَليم، ونَسيبُه سُلَيْمان. وتوقَّفَ العمل قَبْلَ أن يكْتَمِلَ المَشْروع. وتُعْتَبر هذهِ المَوْسُوعةُ أوَّلَ مَوْسُوعَةٍ وَطَنيَّةٍ قائمةٍ على المنهج الحديث في التَّأْليف.
الثّاني: مُعجَم "مُحيط المُحيط"، وهو أوَّل قاموسٍ عَصْرِيٍّ في اللُّغَة العربيّة، طَبَعَهُ في مُجَلَّدين كبيرين في بيروت سنة 1870، ورَفَعَه إلى السُّلطانِ العُثْمانيّ، فنال عليه "الوِسام المَجيديَّ الثَّالِث". ولا يزال هذا المُعجمُ أَحَدَ أَهَمِّ المَعاجِمِ العربيّةِ الحَديثةِ، يَحْتاجُ إليهِ كلُّ عالمٍ وطالبٍ، رَغْمَ مُرُور أَكْثر من مئة عامٍ على تأليفه. ذلك أنّه رَتَّبهُ على حُروف المُعجم باعتبار الحرف الأَوَّلِ منَ الثُّلاثيِّ المُجَرَّد؛ وجَمَع فيه كثيرًا من مُصْطَلَحات العُلوم والفُنون، سواءٌ منها القاموسِيَّةُ أمِ المُعَرَّبَةُ؛ وشرَح أُصولَ بعض الألفاظ الأجنبيّة؛ وجمَع كثيرًا منَ الألفاظ العاميَّة الحيّة وفَسَّرها؛ واعتمد المَعاجمَ القديمة المَوْثوقة؛ واستَخدم العِبارة البسيطة.
وقد قامت "مكتبة لبنان" بإعادة طَبْع المُعْجم بِمُجلَّدّيْهِ، ثمّ جدَّدتْ طَبْعَه سنة 1977، وفي مُجلَّدٍ واحدٍ، وصَحَّحتِ الأخطاء الطِّباعيَّة، ومَيَّزَتِ المَداخِلَ الجذْرِيَّةَ والرَّئيسيَّةَ بِلَوْنٍ مُخْتَلِفٍ، ممّا يُساعِدُ على سُهولة اسْتِعمالِ المُعجَم. يُمْكِنُ القولُ أخيرًا إنَّ المُعَلِّم بُطْرُس البُسْتاني، الذي توفيَّ سنةَ 1883، كان أوّلَ مَنْ أَسَّس مدرسةً وطنيَّةً عالِيَةً، وأَوَّلَ مَنْ ألَّفَ قاموسًا عربيًّا عَصْرِيًّا مُطَوَّلاًّ، وأَوَّلَ مَنْ أنشَأَ مَجَلَّةً راقِيَةً، وأَوَّلَ مَنِ ابْتدأ بمَشْرُوعِ دائرةِ مَعَارِف باللُّغَةِ العربيّة، فكان بِحَقٍّ واحدًا من أكْبر زُعماءِ النَّهْضةِ الحَديثةِ.
مُقَدِّمة الناشر
اعتمد المعلمُ بُطرس على قاموس الفيروزأبادي. مُضِيفًا إليه ثروةً من المُفردات والتعابير المُعاصرة والمُولّدة التي أهملها جامعو المعاجم العربيّـة، فأخرجهَ بمنْهَجِيَّةٍ عِلميَّةٍ حديثة وبتبَويبٍ سليم يتلاءَمُ مع طبيعَة اللغة العربية واشتقاقاتها الواسعة.
وَقـد حَظِيَ مُحيط المحيط مُنذ ظُهوره باهتمام اللغويين والدارسين والكُتَّاب والطلَّبَة والمثَقَّفين عامَّةً، فأقبلوا على اقتنائه. بالإضافة إلى أن بعض كُليِات آداب اللغة العربية كانت وما زالت تعتبر محيط المحيط واحداً من الكتبِ المقُرَّرة في برنامجها الدراسي.
وحينما أخذت مكتبةُ لبنان على عاتقها الاهتمام بنشر كُتُـب التراث، اتجهت أنظار أولي الأمر فيها أوّلَ ما اتجهت إلى معجم محيط المحيط، الذي كان قد نفد من الأسواق منذ مدة طويلة، فأعادت طبعَ كميَّةٍ محدودةٍ منـه. لكنَّ حاجةَ السوق كانت أكثر ممـا توقعناه، إذ ما لبثت نُسَخُ الطبعة المُعادة أن نفدت أيضًا.
وَلمّا عُهد إلى دائرة المعاجم في مكتبة لبنان بالإشراف على إعداد طبعة جديدة من محيط المحيط، ارتأينا أن تكون نُسَخُ الطبعة العتيدة أَفْضَلَ من سابقتَيها وأقلَّ كُلفة في الوقتِ نفسه ليتسَنَّى اقتناءُ هذا التراث لكُل- مُثقَّفٍ عربِيٍّ تلميذًا وَأُستاذًا ومؤلِّفًا وباحثًا. وقرَّ الرأيُ على : أن يَصْدُرَ المعجمُ أولا في حجم أكبر، لِيَتَيَسَّرَ استغِراقُ جُزْأَيْهِ في مُجَلَّدٍ واحدٍ، وثانيًا بلونَين كي يَسْهُلَ على الباحث الوُصولُ إلَى مَطْلبَـهِ بسُرعةٍ ويُسْرٍ.
وقد قام فنِّيُّو دائرة المعاجم وخُـبراؤها بتدوير مادة المُعجم وجَنْدَرَة " رَوْتشَة " أصوله وتصحيح أَخطائه المطبعيّة، ثم اختاروا المداخل الجَذْرِيَّة والرئيسيّة فجرَى إبرازُها بلونٍ مُغاير.
ولمِ ندَّخِرْ أيَّ جُهْدٍ في سبيل إخراجِ - هـذا العملِ العظيم بالمستوَى الرفيع والسِّعر الخفيض كما تَوَخَّيْنا.
وإنه ليَطيبُ لنا أن نُقَدِّمَ باعتزازٍ هذا التُّرَاثَ اللُّغَوِيَّ القيِّمَ إلى طُلاَّبِ العربيَّةِ ومُثَقَّفِيها في كُلِّ صُقْعٍ، بل في كُلِّ بيت. واللهُ الموَفِّقُ.
دائرة المعاجم- مكتبة لبنان
فاتِحَةُ الكتاب
بقلم مؤلفه المعلم بطرس البستاني
الحمدُ لله الذي أنطق العربَ بأفصَح الكلمات وجَعل العربية شامَةً في وَجْنَةِ اللغات.
أمّا بعدُ فهذا المؤلَّفُ يَحتوي على ما في مُحيط الفَيروزأباديّ، الذي هو أشهرُ قاموسٍ للعرَبيَّةِ، من مُفرداتِ اللغة وعـلى زيادات كثيرة. فقَد أضَفْتُ إلى أصول الأركان فيه فُروعا كَثيرةً وتفاصيل شتى وَألحقتُ بذلك اصطلاحاتِ العلوم والفنون وكثيراً من المسائل والقواعد والشوارد وغير ذلك مما لا يتعلق بمتن اللغة. وذكرت كثيراً من كلام المُولَّدين وألفاظ العامة منبِّهًا في أماكنها على أنهـا خارجةٌ عن أصل اللغة، وذلك لكِي يكونَ هذا الكِتابُ كامِلاً شامِلاً يجدُ فيه كُلُّ طالبٍ مَطلوبَهُ من هذا القبيل.
وعلى هذا الأسلوب كان هذا الكتابُ قيدَ الأوابدِ ومَحَطَّ الشوارد، فاستحق أن يُسمَّى مُحيط المحيط لأنه قد جمع ما ذهب في كُتُب اللغَة شماطيط. وقد اخترتُ في ترتيبه اعتبارَ أوَّل حرف من الكلمة دُونَ الأخير منها بخلاف اصطلاح الجمهور، لأن ذلك أيْسَرُ في التفتيش عليها. ولأجل التسهيل على الطالب ميَّزْتُ بينَ الأفعال والأسماء وبين المُجَرَّد والمَزِيد من الفريقَين- كُل نوع على حِدتَه مُنْدَرِجًا مع نظيره من الأبنيِة.
فأملنا أن مشروعَنا هذا سيَحُوزُ القبول لَدى أبناءَ الوطن العربي وغيرهم من مُطالعِي اللغة العربية ودارسيها، ويتَّخذونه كخدمةٍ متُوَاضِعةٍ من مُحِبٍّ للوطن أجلُّ مرَغوباته وَمقاصده أن يرَى أبناء وَطنه يتقدمون في الآداب والمعارف والتَمدُّن تحتَ لُغتهِم الشريفة وأن تكون وسائطُ ذلك ميَسورة لخاصَّتهم وعامَّتهِم على أتم ما يُرام.
وَالمرجو من خُلاَّنِي وَخُلَّص إخواني مُعاملَتي باللُّطفِ وَالإحسان والمعذرة والإغضاء وَأن يؤُازِروني بصالح الدعاء وعلى الله توكلتُ وإليه أنيب.
فائدة : إِذا شئتَ كشفَ لفظةٍ، فإذا كانت مُجَرَّدَةً فاطلبْها في باب أول حرف منها وإذا كانت مزيدة فجرِّدْها أولا من الزوائد ثم اطلبها في باب الحرف الأوّل مما بقي. وإذا كان في الكلمة حرفٌ مقلوبٌ عن آخر فاطلُب تلك الكلمة في مكان الحرف الأصلي المقلوب عنـه. وكل " ذلك يُسَهِّلهُ الاستعمال والممارسة. واعلم أن (ج) مقطوعة من جمع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق