|
مدفع الإفطار من أهم معالم
رمضان
|
|
القرقيعان.. فرحة
للصغار
|
|
- طلقات صوتية تحدث دوياً يسمعه ساكنو الكويت كانت الإذن بالإفطار
- بوطبيلة «المسحراتي» شخصية اندثرت مع تطور العادات والتقاليد وظهور
التكنولوجيا الحديثة
أيام قليلة ويبدأ شهر رمضان المبارك، شهر العبادة
الذي تهفو إليه النفوس وتحن القلوب للقائه وتدمع العيون لفراقه، وله مكانة خاصة في
تراث وتاريخ المسلمين ففيه نزل الوحي، وفيه الليلة المباركة ليلة القدر، وفيه غزوة
بدر، وفيه تم فتح مكة في 20 من السنة الثامنة للهجرة، شهر ارتبط في أذهان الكثيرين
بعادات وتقاليد منها ما هو مستمر معنا الى الآن، ومنه ما هو في طريقه الى الاندثار.
وشهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، وسمي بهذا الاسم نحو عام 412م في
عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول صلى الله عليه وسلم، واشتق اسمه من الرمض وهو
الحجارة من شدة حر الشمس، ذلك لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها
بالأزمنة التي هي فيها، فوافق رمضان أيام (رمض) الحر وشدته فسمي به، ويقول بعض
العلماء ان شهر رمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش، ويقال
هذا شهر رمضان، ولا تذكر كلمة «شهر» مع سائر الشهور العربية، ولكن امتثالا لقوله
تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد
منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر
ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
البقرة 185.
وفي شهر رمضان تتحول الكويت كلها الى مسجد للعبادة وواحة للفرح وبستان تزهر فيه
براعم الخير فتعطي أطيب الثمار، وكانت الاستعدادات قديما تنطلق في البيوت الكويتية
من منتصف شهر شعبان تقريبا، وقبل الاحتفال برؤية الهلال مباشرة كان الاحتفال بيوم
«القريش»، وتقوم فيه كل عائلة بالذهاب الى بيت كبير العائلة (العود)، وهم يحملون ما
لذ وطاب من الأكلات المتوافرة في بيوتهم للاحتفال بقدوم الشهر الفضيل من ناحية،
وللقاء بقية أفراد الأسرة من ناحية أخرى، وأطلق على هذا اليوم كلمة (القريش) لأن كل
أسرة تجود بما لديها من أطعمة ومأكولات بكرم وسخاء، وهو ما يعبر عن معنى الكلمة،
فالقريش في اللغة تعني السخاء، ويقال إن أصل كلمة «القريش» هو تصغير لكلمة «قرش»
لتدل على صغر الوجبة أو قيمتها المادية، فالقريش هو آخر وجبة يتناولها أهل البيت
قبل بداية رمضان، وهي وجبة مكونة من بقايا الأكل الموجود بالمنزل والذي لا يصلح
للتناول في رمضان.
وأهم شخصية كانت تتواجد في شوارع الكويت قديما «بوطبيلة» أو المسحراتي، وهي
شخصية كانت موجودة قديما في الكويت، إلا أنها اندثرت الآن ولم يعد لها وجود، وسمي
أبوطبيلة نسبة الى طبل صغير كان يحمله، حيث يطوف شخص بطبله الصغير على البيوت كل
ليلة حتى آخر الشهر الكريم يوقظ الناس لتناول السحور، ويمر بوطبيلة على البيوت
معلقا شبه خرج يتدلى من رقبته ماسكا عصا قصيرة وطبلا صغيرا أو متوسطا، وفي الأيام
الاخيرة من الشهر الفضيل يقرع بوطبيلة الأبواب التي قام بالتجوال عليها طوال الشهر
فيقدم له الأهالي ما تجود به أنفسهم من مبالغ نقدية أو مواد تموينية.
واعتاد الكويتيون منذ ثلاثينيات القرن الماضي على سماع صوت مدفع الإفطار الذي
كان ينطلق من قصر السيف الكائن على شارع الخليج العربي، الى ان انتقل الى قصر نايف
في محافظة العاصمة منذ عام 1953 وحتى الآن، ويقوم على أمر المدفع ضابط واثنان من
المعاونين ينادي احدهما النداء الشهير «جاهز، اضرب»، ويتولى الثاني عملية الاطلاق
التي ينقلها تلفزيون الكويت يوميا على الهواء مباشرة، ويستخدم في المدفع طلقات
صوتية تحدث دويا كبيرا يسمعه جميع ساكني الكويت.
وتحتفظ الموائد الكويتية منذ عقود من الزمان بأطباق مختلفة واصلت الاجيال
المتعاقبة المحافظة على معظمها حتى وقتنا الحاضر، ومن أهمها الهريس والجريش
والتشريب، ومن الحلويات اللقيمات والخبيص والساغو أو المهلبية، واهم ما يميز هذه
الحلويات نكهتها ومذاقها الطيب ورائحتها المميزة فكان يدخل في صناعتها الهيل
والدارسين والزعفران وهي مجموعة من البهارات الحلوة المذاق، وأيضا القهوة الحلوة
وهي عبارة عن الزعفران المغلي بقليل من السكر.
والموائد الرمضانية بلاريب تغيرت بمرور السنين مثلها في ذلك مثل سائر الأمور
نتيجة للتطورات المتلاحقة وخروج المرأة الكويتية لتشارك الرجل جنبا الى جنب في
الحياة العملية، الى جانب متطلبات الحياة العصرية الحديثة من وجهة نظر البعض، مما
نتج عنه نأي الكويتيات عن المطبخ والقيام بإعداد أكلات الجدات والأمهات، فصار من
تقاليد الشهر الكريم أن تستعد له بعض الأسر بتشغيل طباخ أو أكثر لديها لسد احتياجات
الولائم والدعوات خلال أيام الشهر المبارك، أو الاعتماد على المطاعم في إعداد وجبات
الافطار والسحور والغبقات الرمضانية.
وقد اعتاد أهالي الكويت في السهرات الرمضانية في الماضي، وخصوصا في الدواوين
التي تستمر في استقبال روادها الى ساعات متأخرة من الليل، على تقديم أطباق خاصة من
الأكل تعرف بـ «الغبقة» وتختلف في الشكل والنوع عما يتم تقديمه في الوقت الحاضر،
حيث يتم الآن تقديم وجبات دسمة وفي ساعة متأخرة وفي وقت يقارب السحور.
وتعد «الغبقة» عادة من العادات العريقة التي ميزت ليالي الشهر الكريم لدى الشعب
الكويتي توارثتها الأجيال، ويذكر أن معنى كلمة الغبقة هي كل ما يؤكل في الليل،
ونظرا للأهمية التي تحتلها هذه العادة المتأصلة في نفوس الكويتيين فقد أطلقوا على
شهر رمضان تسمية «شهر الغبقات» والغبقة قديما كانت عبارة عن وليمة تقام بعد صلاة
التراويح للأهل والجيران الذين يذهبون للمباركة بمناسبة الشهر الفضيل، وأكلاتها
تتضمن أنواعا متعددة من المأكولات البسيطة الخفيفة كالنخي والباجلا والهريس
والفطائر والكبة والسلطات، إضافة الى بعض الحلويات الشعبية كالزلابية والمحلبية
واللقيمات والتمور، وكذلك مشاريبها تتنوع بين القهوة العربية والشاي والقهوة الحلوة
المكونة من زعفران مغلي مضاف له السكر، وشراب اللوز «البيذان»... وغيره، وكان كل
بيت يقدم من تلك الأطعمة وفقا لمقدرته، وعليه فقد كانت الغبقة عادة تجميع الأصدقاء
والجيران لتناول ما تبقى من الحلويات الرمضانية المتبقية في هذا اليوم من رمضان
استعدادا لإعداد حلويات طازجة لليوم التالي.. وفيها ما فيها من تجمع اجتماعي وتكافل
ومودة ولقاءات نسائية لتبادل الحديث والأخبار.
وبمرور الوقت أصبح للغبقة الرمضانية عادات وتقاليد مختلفة، فباتت الأسر الكويتية
تنفق مبالغ باهظة على الغبقات في ليالي الشهر الكريم سواء داخل المنازل أو بحجز
القاعات الفخمة بالفنادق والمطاعم وبذلك أصبحت الغبقات الرمضانية تدخل ضمن اهتمامات
المطاعم والفنادق، خاصة أن الغبقات خرجت من كونها عزائم تقام للأهل والجيران
والأصدقاء الى ولائم تقيمها الوزارات والهيئات الحكومية بل ومؤسسات وشركات القطاع
الخاص للقياديين والعاملين بها.
وفي منتصف شهر رمضان من كل عام، كان الأطفال في الكويت يجولون على المنازل وفي
أيديهم أكياس يملأونها بالحلوى والمكسرات، وهو ما يعرف بـ «القرقيعان»، وهي مناسبة
خاصة يحتفل فيها الأطفال في ليلة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من رمضان ـ
وقد تم اختيار الأيام الثلاثة أعلاه؟ لأن القمر يكون بدرا ومضيئا، ونظرا لعدم وجود
كهرباء في ذلك الوقت فضوء البدر هو مصدر الإنارة الوحيد ـ حيث يعمد الأطفال إلى لبس
الملابس الشعبية، ويحمل كل منهم كيسا في رقبته لجمع الحلوى، وعادة يبدأ جمع
القرقيعان بعد صلاة المغرب طارقين أبواب الجيران، سألين عن اسم ابنهم أو ابنتهم،
فيجيبهم أصحاب المنزل بالاسم، أو قد يتمادون لينادوا بأكثر من اسم ومن ثم يقوم
الأطفال بالغناء.
عادات وتقاليد رمضانية منها ما هو مستمر الى الآن مع تطوير للفكرة، ومنها ما
اختفى وضاع وسط التمدين والحضارة، ولكن يظل شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام بصالح
الأعمال، هو شهر العبادات وبالقدر نفسه هو شهر العمل والعطاء.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق